الدكتور سيد نافع يكتب : الحياة
ما الفرق بين الحياة والموت ؟ وهل يستوي الأحياء والأموات ؟ وهل المقصود بالأحياء والأموات هنا الحياة والموت البيولوجي ؟ أم أن للحياة والموت معني آخر يرد ذكرة كثيرا في القرآن والسنة وهو ما يعرف بالحياة والموت الوجودي وليس البيولوجي وكثير من الناس وحتي من المفسرين والعلماء والدعاة لا يعرفوا الفرق والمقصود ، ولنعرف ما معني الحياة والموت الوجودي نفهم هذا البيت الشعري
لقد أسمعت إذ ناديت حياً …… لكن لا حياة لمن تنادي
توضحه الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )
وهل الحياة بمعناها البيولوجي مرتبطة بالروح ؟ أم أن الحياة يمكن أن توجد في غياب الروح ؟ وما أثر نفخ الروح في الأحياء ؟ وما الفرق بين النوم واليقظة ولماذا يعتبر النوم شقيق الموت ( الموت الأصغر )
اعتقد العلماء أنهم بتوصلهم الي فهم أسرار الخلية وهي وحدة الوجود في الكائنات الحية أنهم سيتمكنوا من فهم كونه الحياة وخاب ظنهم ها هو العلم والتقدم العلمي المذهل ورسم خريطة للجينات البشرية ( الجينوم ) ومعرفة أدق التفاصيل في تكوين الجينات ونقلوا الجينات من الكائنات الحية الي كائنات حية أخري حتي أنهم أدخلوا جينات حيوانية الي النباتات واستطاعوا أن يجعلوا بعض أنواع البكتيريا تنتج الأنسولين البشري وهو ما يطلق عليه الهندسة الوراثية وعملوا علي تجميع خلية حية كما الآلة وتوقفوا عند مرحلة الريبوزوم ، لكن مع كل هذا التقدم والتكنولوجيا هل استطاع العلم فهم كونه الحياة ؟ بالتأكيد لا ، لكن ما هو السر ؟
يقول علماء الأحياء : إن التعريفات العديدة التي عرفت بها الحياة غير وافية لكن يمكن القول بصفة عامة أن الحياة هي ظاهرة تتميز بخصائص معينة مثل القدرة علي الاعتذاء والتنفس والحركة والتكاثر …. إلخ فإذا فقدت واحدة أو أكثر من هذه الخواص توقفت الحياة واعتبر الكائن غير حي أي ميت ,ويدخل في هذا التعريف الكائنات الحية وحيدة الخلية كالبكتريا والاميبا مثلا وكذلك عالم النبات وعالم الحيوان لكن ما الفرق الجوهري بينهم ؟
كل تلك الكائنات تتكون من خلايا حية هي وحدة التكوين وتتشابة الي حد بعيد فيهم مما حدي بالعالم جودارد ان يعلن عام 1958 أنه إذا تيسر لنا أن نفهم الخلية فهماً حقيقياً فسيتثني لنا عندئذ أن نفهم كنه الحياة ، وبالرغم من التقدم العلمي المذهل والثورة العلمية التي أحدثها الميكروسكوب الإلكتروني إلا أنه لم يتغير مفهومنا عن الخلية بما يساعد علي فهم معني الحياة ، هل تدرون لماذا ؟
لأن السر يكمن في الروح ، الفرق الوحيد بينهم هو الروح فالنباتات كائنات حية تتغذي وتتنفس وتنمو وتخرج إلا أنها لا تحتوي علي روح كالجنين في بطن الام قبل نفخ الروح فيه في بداية الشهر الخامس ، ويوضح هذا الكلام قوله تعالي ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) ,والمقصود بالخلق الآخر هو تحول الجنين البشري من حياة كحياة النبات الي حياة مكتملة كحياة الحيوان بعد نفخ الروح فيه هو نفخ الروح فيه وانتقاله من طور الي طور ومن خلق الي خلق . وهذا ما قاله ابن عباس عندما سئل عن الرسم فقال ارسم ما لا روح فيه كالشجر والحجر ، وما قاله ابن القيم ليظهر أثر نفخ الروح في الجنين وهي الإرادة
فهناك حياة بلا روح كحياة النبات والكائنات وحيدة الخلية ( البدائية ) وبالتالي تفتقر إلي الحس الحقيقي من سمع وبصر وشم وتذوق وخلافه كما أنها تفتقر إلي الإرادة والعقل والتفكير لأنها من خصائص الروح ،
أما الحيوان ففيه روح لأن فيه حس وارادة ويفكر ويتعلم ويتذكر
فإذا اردت أن تعرف أن هذا الكائن فيه روح أم لا فانظر هل ينام بمعني يفقد الوعي ام لا ؟ فكل كائن حي لا ينام بمعني يفقد الوعي فهو بلا روح وهذا حال عالم النبات لأنها لا تنام ، وكذلك تفتقر الي الحس بانواعة وكذلك المشاعر والعواطف كالحب والحنين واللهفة والفرح والحزن فهي من خصائص الروح.
والفرق بين الروح في الحيوان والروح في الانسان أن الروح في الإنسان مكرمة لذلك أضافها الله تبارك وتعالي إلي ذاته العلية إضافة تشريف وتخصيص فقال تعالي عن خلقه لأبو البشر ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) وهذا لا يعني أنها من الذات الإلهية فهذه اضافة أعيان لا إضافة صفات كما قال ابن القيم وهذا للتخصيص والتشريف وبالتالي تهيأ لحمل أمانة التكليف وتميز بالعقل
والحيوان به ارادة الي حد ما وفهم وبالتالي يمكن تدريبه وتعليمه إلا أنه غير مكلف وسوف يحشر يوم القيامة ثم يقتص الله تبارك وتعالي من الشاة القرناء اذا بغت علي الجلحاء ثم يقول لهم كونوا تراباً عندها سيتمني الكافر لو كان حيوان ويلقي نفس المصير ويقول يا ليتني كنت ترابا ، لكن هيهات هيهات.
الروح هي المكون العلوي السماوي للنفس البشرية وهى من عالم الملكوت أي من عالم ما وراء المادة عالم الغيب ( Meta physics ) والروح هي التي تمكن الإنسان من أن يتخطي ذاته ويتصل بخالقه ويلج عالم الملكوت فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .
والروح تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها في عالم البرزخ فالجسد بالنسبة لها كالقالب ، فالروح علي صورة الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع وبصر ولسان وهي ما يراها الإنسان في نومه فعندما تلاي إنسان في نومك فقد التقت روحك بروحه وهذا نوع من أنواع تلاقي الأرواح فيمكن أن تليقي الأرواح في اليقظة وتتآلف وتتحاب فيجد الإنسان راحة نفسية تجاه شخص بعينه دون سابق معرفة أو مصلحة خاصة وموضوع تلاقي الأرواح سوف يفصل فيما بعد ، وكل منها ( النفس والبدن ) يؤثر في الآخر فالبدن يكتسب طيبة وخبثه من طيب وخبث الروح ، قال ابن القيم : – أشد الأشياء ارتباطاً وتفاعلاً وتأثراً من أحدهما في الآخر النفس والبدن لهذا يقال لها عند المفارقة حال الموت أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ويقال للنفس الخبيثة أخرجي أيتها النفس الخبيثة كنت في الجسد الخبيث .
وارتباط الروح بالجسد في الدنيا يؤدي إلي حجب الكثير من الحقائق عن الإدراك خاصة عند الماديين وحين يخلع عنه رداء المادة بالموت تتكشف له الحقائق التي غفل عنها ويقوي حواسه الروحية فيري الحقيقة التي طالما أنكرها لذلك يقول رسول الله الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ، ويقول تعالي لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق22 ، ومن الناس من تتكشف لهم الحقيقة في الدنيا وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء فهم الذين علي بينة من ربهم وهم أهل العلم والعمل والتقي وهم أهل محبة الله ومعيته ، ومن هؤلاء الناس من يأتي علي يديهم الكرامات فهم أولياء الله وخاصته وهو ما يعرف بالمكاشفة والشفافية لأنهم تخلصوا من عوائق المادة في حياتهم وبالتالي تقوي عندهم الظواهر الروحية ، وغالباً ما ينكر عليهم الماديون أحوالهم ولهم العذر فهم لم يذوقوا طعم الإيمان الحقيقي ومن ذاق عرف ، وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ( الناس أعداء ما جهلوا ) ، فلكي تترقي في مراتب الإيمان لا بد من التجرد من كل العوائق المادية فلا تكون هي شاغلك الأوحد في هذه الحياة .
قال القرطبي رحمه الله في التذكرة : إن النفس والروح شئ واحد وأن الروح جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة ( الأجساد ) ، يجذب ويخرج ، وفي أكفانه يلف ويدرج وبه إلي السماء يعرج ، لا يموت ولا يفني وهو مما له أول وليس له آخر ، ويأخذ شكل القالب الذي نفخ فيه فهو بعينين ويدين وأنه ذو ريح طيب وخبيث ، وكل من يقول إن الروح تموت وتفني فهو ملحد وكذلك من يقول بالتناسخ ( أي أنها إذا خرجت من هذا ركبت في شئ آخر كحمار أو كلب مثلاً ) وإنما هي محفوظة بحفظ الله إما منعمة وإما معذبة
ذكر الرازي أقوال الطوائف المختلفة في الروح فمن قائل أنه جزء لا يتجزأ من القلب ، وقالت طائفة وهذا ما أيده ابن القيم وساق الأدلة عليه من أن الروح جسم مخالف في ماهيته لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيه سريان الماء في الورد والدهن في الزيتون والنار في الفحم وما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الناتجة من هذا الجسم اللطيف بقي هذا الجسم اللطيف مشابكاً لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية ، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلي عالم الأرواح .
ابن سينا : اعلم أن الجوهر الذي هو الإنسان في الحقيقة لا يفني بعد الموت ولا يبلي بعد المفارقة عن البدن بل هو باق لبقاء خالقه تعالي وذلك لأن جوهره أقوي من جوهر البدن لأنه محرك البدن ومدبره ومتصرف فيه والبدن منفصل عنه تابع له ، فإذن لم يضر مفارقته عن الأبدان وجوده ، ثم إن الإنسان في نومه يدري الأشياء ويسمعها بل ويدرك الغيب في المنامات الصادقة بحيث لا يتيسر له في اليقظة وهذا برهان قاطع علي أن جوهر النفس غير محتاج إلي هذا البدن بل هو يضعف باقترانه بالبدن ويقوي بتعطله فإذا مات البدن وخرب تخلص جوهر النفس عن حبس البدن .
الروح كما يعرفها الشيخ أبو حامد الغزالي في كتابه العظيم ( إحياء علوم الدين ) : – هي لطيفة ربانية منبعها تجويف القلب الجسماني وتسير مع الدم عبر العروق الضوارب إلى جميع أجزاء الجسد فتهب له الحياة وشبه ذلك بالمصباح في الحجرة فالمصباح هو المثال للروح التي تسكن القلب وسريان الضوء من المصباح إلى جدران الحجرة مثل سريان الروح في داخل الجسد والإضاءة الحادثة مثل الحياة ، فتسري الروح في الجسد مع الدم وتتمركز الروح في القلب و تمتد عبر الدم إلي جميع أجزاء الجسد عبر العروق
( حسب تعريف الإمام الغزالي للروح في إحياء علوم الدين ) ، وهذا التعريف مستنبطاً من أحاديث رسول الله فعندما يقول صلي الله عليه وسلم : إن الله لا ينظر إلي صوركم ولا إلي أجسامكم ولكن ينظر إلي قلوبكم يفهم من ذلك أن الروح وهي المكون الرئيسي للإنسان مركزها القلب ، والقلب هو المسئول عن سلوك الإنسان فمنه النية والإرادة والقصد ، وبالتالي الروح هي المسئولة عن سلوك الإنسان ومنها النية و الإرادة والقصد ، أما الجسد والصورة فلا ينظر إليه الله ، فما فائدة جسد في الطاعة كالصلاة والقلب منصرف إلي الدنيا يدخل به الشيطان من وادي إلي وادي ، هل للإنسان من صلاته هذه شيئ ؟ هل تقبل ؟ هل يمكن أن تنهاه عن منكر ؟ ، ليس له منها إلا ما عقل ، أي وعي فكان بجسده وروحه ( قلبه ) في الطاعة. والكلام عن الروح إنما هو عن أوصافها وأحوالها وليس عن تركيبها وماهيتها فلا يعلم سرها وحقيقتها إلا خالقها سبحانه وتعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً {85} ﴾ (الإسراء) .